إذا عتبرنا الكتاب مدخلاً ( وهو في الحقيقة كذلك ) فهو كتاب جيد الى حد ما , كتاب جامع موضَح مفصّل وناقد( بطريقة توضيحية) للمذاهب الفلسفية المعاصرة . يعرض الكاتب في مقدمة الكتاب نظرة سريعة عن الفلسفة الحديثة التي منها انبثقت الفلسفة موضوع الكتاب , قد يجدها البعض لقمة عصية على البلع منذ البداية , لذا أنصح بقراءة في كتابٍ ما عن الفلسفة الحديثة قبل الشروع بقراءة هذا الكتاب , كيلا تلاقي أفكاره كمن يدخل الى حانة لا يعرف فيهاأحدا , او كمن يدخل الى جامع في مدينة ليست مدينته ( في حال كنتَ من المتدينين والعواذ بالعقل ).
إن كان هناك مجالا للسلبية في هذا الكتاب , ستكون تغاضيه عن فلسفة العلم وفلسفة الجمال وكذلك علم النفس في القرن العشرين , فهو ( بالنسبة للجمال ) لوّح لـ " كروتشه " من بعيد ملقياً عليه التحية , وفي العلم ذكر " وايتهد " أيضا بطريقة لا تقل اختصارا عن " كروتشه" .كيف لأحدٍ أن يذكر الفكر الفلسفي المعاصر دون ان تتراقص أمامه أشباحاً كـ بوبر و غوديل و ....... نسيت مين كمان , لعلّ كارل بوبر أطفأ انوارهم جميعاً . ولم يذكر أحداً من علماء النفس ولا أحدا من العظماء اليهود أبدا أمثال فرويد ,أدلر, يونج, فروم . تجدر الملاحظة هنا أن الكتاب ألماني المنشأ لعله السبب في ذلك .
نقطة أخيرة , رأيته أيضا مجحفا بحق " جون ديوي " كثيرا , فقد قدّم " ديوي " انتاجاً غنياً لا يقل عن زملائه ( الكاتب وضعه في قائمة الفلاسفة الفيمينولوجيّن , لعل الوجودية أجدر و أنسب له منها ) لكنه لم يؤلف مذهباً مستقلاُ.
ما أضحكني في الكتاب حقاً هو الفلسفة التماوية الجديدة , التي اتخذت من عظام توما الأكويني صنماً فلسفياً , و أسدلت عليه ستائر فلسفة أرسطو , لا أدر إن كان هؤلاء التماويون المجددون يعتبرون الأرض مركز للكون ( كأرسطو ) أم الشمس ؟! أو لعله صنم الأكويني ذاته .
الجرعة المطلوبة لهذا الكتاب , فصل واحد يوميا قبل الطعام , قد يصاحبه تأثيرات جانبية , فقد يسبب الصرع لمن يعاني من " تحجّر فكريّ مزمن " .